ولد عليه السلام بالمدينة ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان ، ويقال للنصف منه وقال ابن عياش يوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة خمسة وتسعين ومائة ولكن المشهور بين العلماء والمشايخ انه ولد عليه السلام بالمدينة التاسع عشر من رمضان وقال عنه الرضا عليه السلام قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار وشبيه عيسى بن مريم قدست ام ولدته.
عمره أقام عليه السلام مع أبيه سبع سنين وأربعة اشهر ويومين وبعده ثمانية عشر سنة إلا عشرين يوما .
وفاته
وقال ابن بابويه سمه المعتصم العباسي لعنه الله تعالى حيث قبض ببغداد مسموما في آخر ذي القعدة وقيل يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين ودفن في مقابر قريش الى جنب جده موسى بن جعفر عليه السلام في الكاظمية في العراق. وقال عنه الرضا عليه السلام يقتل ولدي هذا غصبا فيبكي له وعليه أهل السماء ويغضب الله على عدوه وظالمة فلا يلبث إلا يسيرا حتى يعجل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد.
إمامته ومدة ولايته عليه السلام سبع عشرة سنة فكان في سني إمامته بقية ملك المأمون ثم ملك المعتصم ثم ملك الواثق لعنهم الله جميعاً.
نقش خاتمه : نعم القادر الله.
شعراؤه : حماد ، داود بن القاسم الجعفري.
بوابه : عمر بن الفرات ، عثمان بن سعيد السمان.
ملوك عصره : المأمون ، المعتصم.
ألقابه
كنيته ابو جعفر والخاص ابو علي . والقابه المختار والمرضي والمتوكل والمتقي والزكي والتقي والمنتجب والمرتضى والقانع والجواد والعالم الرباني ظاهر المعاني قليل التواني المعروف بأبي جعفر الثاني المتوشح بالرضا.
أصحابه
ومن ثقاته عليه السلام : أيوب بن نوح بن دراج الكوفي وجعفر بن محمد بن يونس الأحول والحسين بن مسلم بن الحسن والمختار بن زياد العبدي البصري ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي.
ومن أصحابه : شاذان بن الخليل النيشابوري ونوح بن شعيب البغدادي ومحمد بن احمد المحمودي وأبو يحيى الجرجاني وأبو القاسم ادريس القمي وعلي بن محمد بن هارون بن الحسن بن محبوب واسحاق بن اسماعيل النيسابوري وابو حامد بن ابراهيم المراغي وابوعلي بن بلال وعبدالله بن محمد الحضيني ومحمد بن الحسن بن شمون البصري .
نسبه الشريف
أبوه عليه السلام الراضي بالقدر والقضاء معين الشيعة والفقراء والزوار في يوم الجزاء أنيس النفوس المدفون في أرض طوس علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام ، وأمه عليه السلام أم ولد تدعى درة وكانت مريسية ثم سماها الرضا عليه السلام خيزران وكانت من اهل بيت ماريا القبطية ويقال انها سبيكة وكانت نوبية ويقال ريحانة وتكنى ام الحسن وكانت من افضل نساء زمانها وقال عنها النبي {ص} بأبي ابن خيرة الأماء النوبية الطيبة.
اما زوجته عليه السلام فيقال انها سمانة المغربية وهي ام ولد وقيل ان زوجته المعروفة هي ام الفضل وهي ابنة المأمون وقيل لم يكن له منها ولد ، وأولاده عليه السلام علي الإمام وموسى وحكيمة وخديجة وأم كلثوم.
فضائله ومناقبه ومعاجزه (عليه السلام) : روى العلاّمة المجلسي وغيره أنّه كان عمرُ الإمام الجواد (عليه السلام) عند وفاة أبيه (عليه السلام) تسع سنين ، وقيل : سبع سنين . ولمّا استُشهد أبوه كان في المدينة ، وشكّ بعضُ الشيعة في إمامته ؛ لصغر سنّه حتّى حجّ العُلماء والأفاضل والأشراف وأماثل الشيعة في أطراف العالم ، ثم جاؤوا إلى الإمام (عليه السلام) بعد إتمام مناسكهم ، فزالت شبهاتهم وشكوكهم بعد ما رأوا غزارة علمه وكثرة معاجزه وكراماته ، وأقرّوا بإمامته.
وقد رُوي أنه (عليه السلام) أجاب عن ثلاثين ألف مسألة غامضة في مجلسٍ واحد أو مجالس متوالية(7).
وأراد المأمون ـ بعد أن أخذ الناس بلومه والطعن عليه ؛ لقتله الإمام الرضا (عليه السلام) ـ أن يدفع تهمة الخطأ والجرم عنه ، فكتب ـ بعدما جاء من خراسان إلى بغداد ـ الى الإمام محمد الجواد (عليه السلام) يدعوه بإعزاز وإكرام ، فلمّا وصل الإمام الجواد ، خرج المأمون يوماً للصيد قبل أن يلقى الإمام ، فاجتاز بطرف البلد ، وهناك صبيان يلعبون ومحمد الجواد (عليه السلام) واقف عندهم ، فلمّا أقبل المأمون فرَّ الصبيان ووقف محمّد الجواد (عليه السلام) وعُمره إذ ذاك تسع سنين ، فلمّا قرُب منه الخليفة نظر إليه ـ وكان الله تعالى ألقى في قلبه مسحة القبول ـ فقال له: ياغلام ما منعك أن لا تفرّ كما فرَّ أصحابُك ؟ فقال له محمّد الجواد (عليه السلام) مُسرعاً: (( يا أمير المؤمنين ، فرَّ أصحابي خوفاً ، والظنّ بك حسن . إنّه لا يفرُّ مِنك مَن لا ذنب له . ولم يكن بالطريق ضيقٌ فانتهي عن أمير المؤمنين )). فأعجب المأمون كلامه وحسن صورته ، فقال: ما اسمُك ياغلام ؟ فقال: (( محمّد بن عليّ الرضا )) . فترحَّم الخليفة على أبيه ، وساق جواده إلى ناحية وجهته(8).
وروى الطبري عن الشلمغاني أنّه قال : حجّ إسحاق بن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر (عليه السلام) . قال إسحاق : فأعددتُ لي في رقعةٍ عشر مسائل لأسأله عنها ، وكان لي حمل . فقلتُ: إذا أجابني عن مسائلي سألتُه أن يدعو الله لي أن يجعله ذكراً ، فلمّا سأله الناس قمت والرقعة معي لأسأله عن مسائلي ، فلمّا نظر إليَّ قال لي : (( يا أبا يعقوب سمّه أحمد )) . فولد لي ذكر وسمّيته أحمد ، فعاش مُدّةً ومات(9).
ومن معاجزه (عليه السلام) ما رواه الشيخ الكليني وغيره عن محمّد بن أبي العلاء أنّه قال : سمعتُ يحيى بن أكثم ـ قاضي سامراء ـ بعدما جهدت به وناظرتُه وحاورتُه ، وواصلتُه وسألته عن عُلوم آل محمّدٍ (ص) فقال : بينا أنا ذات يوم دخلتُ أطوف بقبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فرأيتُ محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) يطوف به ، فناظرتهُ في مسائل عندي فأخرجها إليّ . فقلتُ له : والله إنّي اُريد أن أسألك مسألة ، والله لأستحي من ذلك . فقال لي : (( أنا اُخبرك قبل أن تسألني ، تسألني عن الإمام ؟ )) فقلت: هو والله هذا . فقال : (( أنا هو )) . فقلتُ : علامة ؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت: إنّ مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجّة(10).
وروى أيضاً بهذا المعنى عُمارة بن زيد أنه قال: رأيت محمّد بن علي (عليهما السلام) فقلت له: يابن رسول الله ما علامة الإمام؟ قال: (( إذا فعل هكذا ، ووضع يده على صخرةٍ فبان أصابعُه فيها ، ورأيتُه يمدّ الحديدة بغير نارٍ ويطبع على الحجارة بخاتَمه))(11) .
وروى إسماعيل بن العبّاس الهاشمي أنّه قال: جئتُ إلى أبي جعفر (عليه السلام) يوم عيد ، فشكوتُ إليه ضيق المعاش ، فرفع المصلّى وأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها ، فخرجت بها إلى السوق فكان فيها ستة عشر مثقالاً من ذهب(12).
3ـ شهادته (عليه السلام): لمّا استدعى المأمون الإمام الجواد (عليه السلام) بعد وفاة أبيه إلى بغداد وزوّجه ابنته ، مكث الإمام ببغداد مدّة فضاق صدره من سوء معاشرة المأمون ، فاستأذنه في الذهاب إلى الحجّ ، فتوجّه إلى بيت الله الحرام ومن هناك عاد إلى مدينة جدّه وبقي هناك إلى أن مات المأمون ، واغتصب الخلافة بعده أخوه المعتصم . وكان ذلك في السابع عشر من شهر رجب سنة (218هـ) . فلمّا استوى المعتصم على الملك ، وسمع فضائل ومناقب الإمام الجواد (عليه السلام) ، وبلغة غزارة عِلمه ، اضطرمت نار الحسد في قلبه ، وصمّم على القضاء على الإمام عليه السلام فاستدعاه إلى بغداد ، فلمّا توجّه الإمام إلى بغداد جعل وصيّه وخليفته ابنه علي النقيّ (عليه السلام) ، ونصَّ على إمامته عند كبار الشيعة وثقات الأصحاب ، وسلّم إليه كتب العلوم الإلهية والأسلحة التي كانت للنبي (صلّى الله عليه وآله) وسائر الأنبياء (عليهم السلام) .
ثم ودع الإمام أهله وولده وترك حرم جدّه (صلّى الله عليه وآله) وذهب إلى بغداد بقلبٍ حزين ، ودخلها يوم الثامن والعشرين من شهر محرّم سنة (220هـ) وقتله المعتصم في أواخر هذه السنة بالسُّمّ .
وأما كيفية شهادته (عليه السلام) ، فقد وقع الخلاف فيها لكن الأشهر أنّ زوجته اُم الفضل بنت المأمون سمّته بعد تحريض عمّها المعتصم ؛ لأنها كانت تضمر العداء والبغض للإمام ؛ لميله (عليه السلام) إلى الجواري دونها ، وكان يرجّح أُمّ الإمام علي النقي (عليه السلام) عليها ، فكانت دائمة الشكاية منه عند أبيها وهو لا يستمع إليها ، وقد عزم بعد أن قتل الإمام الرضا (عليه السلام) على ترك أذى أهل بيت الرسالة (عليهم السلام) وعدم التعرّض لهم للحفاظ على الملك(13).
وكيف ما كان فقد نقل عن كتاب عيون المعجزات : أنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر (عليه السلام) ، وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه ؛ لأنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر (عليه السلام) وشدّة غيرتها عليه ، فأجابته إلى ذلك وجعلت سُمّاً في عنب رازقي ووضعته بين يديه .
فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي ، فقال: (( ما بكاؤك؟ واللهِ ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر وبلاء لا ينستر )). فماتت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها ، حيث صار ناسوراً فيه فأنفقت مالها وجميع ما ملكته على تلك العلّة التي احتاجت إلى الاسترفاد ـ يعني الاستعانة ـ ورُوي أن الناسور كان في فرجها(14).
ثم غُسّل الامام عليه السلام وكُفّن ودُفن في مقابر قريش خلف رأس جدّه الإمام موسى (عليه السلام) ، وصلّى عليه ظاهراً الواثق بالله ، ولكنّ الحقيقة هي إنّ الإمام علي النقي (عليه السلام) جاء من المدينة بطيّ الأرض وتولّى أمر تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه(15).
ووقع الخلاف في تأريخ إستشهاد الإمام الجواد (عليه السلام) ، والأشهر أنّه استُشهد في آخر شهر ذي القعدة سنة (220هـ) ، وقيل غير ذلك(16). وكان ذلك بعد سنتين ونصف من موت المأمون كما قال الأمام نفسه : (( الفرج بعد المأمون بثلاثين شهراً )) . وعمره الشريف خمس وعشرون سنة وأشهر(17).
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.
نشأة الإمام محمّد الجواد (عليه السلام)
ـ نسبه : الإمام محمد الجواد (عليه السلام) من الاُسرة النبوية وهي أجلّ وأسمى الاُسر التي عرفتها البشرية ، فهو ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي السجاد ابن الإمام الحسين سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام) .
ـ اُمه : هي من أهل بيت مارية القبطية ، نوبيّة مريسية ، امها : سبيكة أو ريحانة أو درّة ، وسمّاها الرضا (عليه السلام) خيزران .
وصفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنها خيرة الإماء الطيبة . وقال العسكري (عليه السلام) : «خُلقت طاهرة مطهّرة وهي اُم ولد تكنّى باُم الجواد ، واُم الحسن ، وكانت أفضل نساء زمانها »[1].
ـ ولادته : ولد (عليه السلام) في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة لسبع عشر ليلة مضت من الشهر وقيل : للنصف منه ليلة الجمعة[2] وكانت ولادته في المدينة .
وغمرت الإمام الرضا (عليه السلام) موجات من الفرح والسرور بوليده المبارك، وطفق يقول : « قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم ، قدّست اُم ولدته..»[3].
ـ كنيته : أبو جعفر ، وهي كنية جده الباقر(عليه السلام) وللتمييز بينهما يكنّى بأبي جعفر الثاني ، وأضاف في دلائل الإمامة كنية ثانية له هي: أبو علي الخاص، وفسّر المتأخرون هذه العبارة بأنّ له كنية خاصة هي: «أبو علي»، وليست كنيته هي «أبو علي الخاص» كما يبدو للناظر في عبارة دلائل الإمامة .
ـ ألقابه : أمّا ألقابه الكريمة فهي تدل على معالم شخصيته العظيمة وسمو ذاته وهي :
ـ الجواد : لُقب به لكثرة ما أسداه من الخير والبر والاحسان الى الناس .
ـ التقي : لقب به لأنه اتّقى الله وأناب اليه ، واعتصم به ولم يستجب لأي داع من دواعي الهوى .