بطولة الإمام علي ( عليه السلام ) في معركة بدر سلام الملائكة على الإمام علي (عليه السلام):
قال الإمام علي (عليه السلام): (لمّا كانت ليلة بدر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس، قال: فقمت فاحتضنت قربة، ثمّ أتيت قليباً بعيد القعر مظلماً، فانحدرت فيه، فأوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل تأهبّوا لنصرة محمّد (صلى الله عليه وآله) وحزبه، فهبطوا من السماء لهم دوي يذهل من يسمعه، فلمّا حاذوا القليب وقفوا وسلّموا عليّ من عند آخرهم، إكراماً وتبجيلاً وتعظيماً) وعن محمّد بن الحنفية قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً في غزوة بدر أن يأتيه بالماء، حين سكت أصحابه عن إيراده، فلمّا أتى القليب وملأ القربة وأخرجها، جاءت ريح فهراقته، ثمّ عاد إلى القليب فملأها، فجاءت ريح فهراقته، وهكذا في الثالثة، فلمّا كانت الرابعة ملاها فأتى بها النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره بخبره.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أمّا الريح الأُولى، فجبرائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثانية، ميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثالثة، إسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك)
*-* نصف قتلى المشركين في يوم بدر بسيفه حيث كان مجموع القتلى (70قتيل) من المشركين منهم (35 قتيل) بسيف علي (عليه الصلاة والسلام) و (35 قتيل) بسيوف باقي المسلمين ومعهم الملائكة (3000) عليه الصلاة والسلام .
***** حمل الإمام علي (عليه السلام) على الوليد فضربه على حبل عاتقه، فأخرج السيف من إبطه، قال (عليه السلام): (لقد أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السماء وقعت على الأرض)، ثمّ ضربه (عليه السلام) ضربة أُخرى فقتله.
ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا علي أما ترى أن الكلب قد نهز عمّك؟ فحمل عليه الإمام علي (عليه السلام) ثمّ قال: (يا عم طأطأ رأسك)، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علي (عليه السلام) فطرح نصفه، ثمّ جاء إلى عتبة وبه رمق، فأجهز عليه .
وبرز حنظلة بن أبي سفيان إلى علي (عليه السلام)، فلمّا دنا منه ضربه علي (عليه السلام) ضربة بالسيف فسالت عيناه، ولزم الأرض، واقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال، فلقيه (عليه السلام) فقتله.
***** لا سيف إلا ذو الفقار:
قال الإمام الباقر (عليه السلام): (نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي) معركة بدر الكبرى
مقدّمة:
بعد أن استقرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة، بدأ يخطِّط عسكرياً لضَرب رأس المال الذي كانت قريش تعتمد عليه اعتماداً مباشراً في تجارتها.
ولتحقيق هذا الهدف خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أصحابه، للسيطرة على القافلة التجارية التي كان يقودها أبو سفيان، فعلم أبو سفيان بخُطَّة المسلمين، فغيَّر طريقه، وأرسل إلى مكّة يطلب النجدة من قريش، فخرجت قريش لقتال رسول الله (صلى الله عليه وآله).
تاريخ المعركة ومكانها:
17 شهر رمضان 2 هـ، منطقة بدر، وبدر اسم بئر كانت لرجل يدعى بدراً، تبعد (160) كيلو متراً عن المدينة المنوّرة.
عدد الجيش:
خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ومعهم سبعون بعيراً، وفرسان أحدهما للزبير بن عوام، والآخر للمقداد بن الأسود.
استشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه في طلب قافلة أبي سفيان ومحاربة قريش، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إنّها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلّت منذ عزّت، ولم نخرج على هيئة الحرب، فقال (صلى الله عليه وآله): (اجلس)، فجلس.
ثمّ قام عمر بن الخطّاب فقال مثل ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله): (اجلس)، فجلس.
ثمّ قام المقداد فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقنا، وشهدنا أن ما جئت به حقّ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا، وشوك الهراس لخضناه، معك والله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، ولكنّا نقول: امض لأمر ربّك فإنّا معك مقاتلون، فجزاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيراً على قوله ذاك.
وقام سعد بن معاذ ـ وهو من الأنصار ـ فقال: بأبي أنت وأُمي يا رسول الله، إنّا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حقّ من عند الله، فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منها ما شئت، والله لو أمرتنا ان نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ الله عزّ وجل أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله.
ففرح بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: (سيروا على بركة الله، فإنّ الله عزّ وجل قد وعدني إحدى الطائفتين، ولن يخلف الله وعده، والله كأنّي أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وفلان وفلان) (1).
سلام الملائكة على الإمام علي (عليه السلام):
قال الإمام علي (عليه السلام): (لمّا كانت ليلة بدر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس، قال: فقمت فاحتضنت قربة، ثمّ أتيت قليباً بعيد القعر مظلماً، فانحدرت فيه، فأوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل تأهبّوا لنصرة محمّد (صلى الله عليه وآله) وحزبه، فهبطوا من السماء لهم دوي يذهل من يسمعه، فلمّا حاذوا القليب وقفوا وسلّموا عليّ من عند آخرهم، إكراماً وتبجيلاً وتعظيماً) (2).
وعن محمّد بن الحنفية قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً في غزوة بدر أن يأتيه بالماء، حين سكت أصحابه عن إيراده، فلمّا أتى القليب وملأ القربة وأخرجها، جاءت ريح فهراقته، ثمّ عاد إلى القليب فملأها، فجاءت ريح فهراقته، وهكذا في الثالثة، فلمّا كانت الرابعة ملاها فأتى بها النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره بخبره.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أمّا الريح الأُولى، فجبرائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثانية، ميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثالثة، إسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك) (3).
قال السيّد الحميري بهذه المناسبة:
وسلّم جبريل وميكال ليلة ** عليه وحيّاه إسرافيل معربا
أحاطوا به في روعة جاء يستقي ** وكان على ألف بها قد تحزّبا
ثلاثة آلاف ملائك سلّموا ** عليه فأدناهم وحيّا ورحّبا (4).
وقال أيضاً:
ذاك الذي سلّم في ليلة ** عليه ميكال وجبريل
ميكال في ألف وجبريل في ** ألف ويتلوهم سرافيل
ليلة بدر مدداً أنزلوا ** كأنّهم طير أبابيل
فسلّموا لمّا أتوا حذوه ** وذاك إعظام وتبجيل (5).
العناية الإلهية:
قد تجلَّت العناية الإلهية بالنبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه منذ ليلة المعركة، إذ بعث الله المطر الغزير، والمسلمون يغشاهم النعاس.
وأرسل النبي (صلى الله عليه وآله) عمّار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود سِرّاً لاستطلاع أحوال جيش العدو، فَطَافا في معسكرهم، ثمّ رَجعا، فأخبَرا بأنَّهم مذعورون فزعون، وذلك قوله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (6).
بدأ المعركة:
لمّا أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر عبأ أصحابه، ودفع (صلى الله عليه وآله) الراية إلى الإمام علي (عليه السلام)، ولواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر، ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ، وقال (صلى الله عليه وآله): (اللَّهُمَّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهُمَّ إنْ تُهلِكَ هَذه العصَابَة لا تُعبَد في الأرض) (7).
وخرج عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، والوليد بن شيبة، إلى ساحة المعركة وقال: يا محمّد اخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فبرز إليهم ثلاثة نفر من الأنصار وانتسبوا لهم، فقالوا: ارجعوا إنّما نريد الأكفاء من قريش، فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب ـ وكان له يومئذ سبعون سنة ـ فقال: (قم يا عبيدة)، ونظر إلى حمزة فقال: (قم يا عم)، ثمّ نظر إلى الإمام علي (عليه السلام) فقال: (قم يا علي – وكان أصغر القوم ـ فاطلبوا بحقّكم الذي جعله الله لكم، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله، ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره).
ثمّ قال: (يا عبيدة عليك بعتبة بن ربيعة)، وقال لحمزة: (عليك بشيبة)، وقال لعلي (عليه السلام): (عليك بالوليد).
فمروا حتّى انتهوا إلى القوم فقالوا: أكفاء كرام، فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنّها فسقطا جميعاً، وحمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيفين حتّى انثلما.
وحمل الإمام علي (عليه السلام) على الوليد فضربه على حبل عاتقه، فأخرج السيف من إبطه، قال (عليه السلام): (لقد أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السماء وقعت على الأرض)، ثمّ ضربه (عليه السلام) ضربة أُخرى فقتله.
ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا علي أما ترى أن الكلب قد نهز عمّك؟ فحمل عليه الإمام علي (عليه السلام) ثمّ قال: (يا عم طأطأ رأسك)، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علي (عليه السلام) فطرح نصفه، ثمّ جاء إلى عتبة وبه رمق، فأجهز عليه (.
وبرز حنظلة بن أبي سفيان إلى علي (عليه السلام)، فلمّا دنا منه ضربه علي (عليه السلام) ضربة بالسيف فسالت عيناه، ولزم الأرض، واقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال، فلقيه (عليه السلام) فقتله.
لا سيف إلا ذو الفقار:
قال الإمام الباقر (عليه السلام): (نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي) (9).
وفي رواية أخرى عن ابن عباس: كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) سيف محلّى، قائمه من فضة، ونعله من فضة، وفيه حلق من فضة، وكان يسمّى ذا الفقار (10).
تخيير الصحابة:
أسر من قريش في معركة بدر سبعين رجلاً، فاستشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه فيهم، فغلظ عليهم عمر غلظة شديدة، فقال: يا رسول الله أطعني فيما أشير به عليك: قدّم عمّك العباس وأضرب عنقه بيدك، وقدّم عقيلاً إلى أخيه علي يضرب عنقه، وقدّم كلّ أسير إلى أقرب الناس إليه يقتله، فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك ولم يعجبه، كأنّه كره تسليم كلّ أسير إلى الأقرب إليه لما فيه من الجفاء.
ورغب المسلمون في فداء الأسرى دون قتلهم، ليتقوّوا بالمال، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفداء، أكثره أربعة آلاف درهم وأقله ألف، وأطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) جماعة بغير فداء، فعاتبه الله تعالى بقوله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (11) (12).
وعن الإمام علي (عليه السلام): (إنّ جبرائيل (عليه السلام) هبط على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال له: خيّرهم ـ يعني أصحابه ـ في الأسرى، إن شاءوا القتل، وإن شاءوا الفداء، على أن يقتل العام المقبل منهم عدّتهم، قالوا: الفداء، ويقتل منّا عدّتهم) (13).
فأسر يومئذ العباس بن عبد المطّلب، وعقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن المطّلب، وحليف لبني هاشم اسمه عقبة بن عمرو، فلمّا أمسى القوم والأسرى محبوسون في الوثاق، بات رسول الله (صلى الله عليه وآله) تلك الليلة ساهراً، فقال له أصحابه: ما لك لا تنام يا رسول الله؟ قال: (سمعت أنين العباس من وثاقه)، فقاموا إليه فأطلقوه، فنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) (14).
ولمّا قدم بالأسرى إلى المدينة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس: (افد نفسك يا عباس، وابني أخويك عقيلاً ونوفلاً، وحليفك عتبة بن عمرو، وأخي بني حارث بن فهر، فإنّك ذو مال)، فقال: يا رسول الله، إنّي كنت مسلماً، وإن القوم استكرهوني، فقال (صلى الله عليه وآله): (الله أعلم بإسلامك، إن يكن حقّاً فإنّ الله يجزيك به، فأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا) (15)، ثمّ فدى نفسه وابني أخويه وحليفه.
شهداء بدر:
استشهد من المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلاً، منهم: عبيدة بن الحارث بن عبد المطلّب، وذو الشمالين عمرو بن نضلة حليف بني زهرة، ومهجع مولى عمر، وعمير بن أبي وقّاص، وصفوان بن أبي البيضاء، وهؤلاء من المهاجرين، والباقون من الأنصار وهم:
عاقل بن أبي البكير، وسعد بن خيثمة، ومبشر بن المنذر، وحارثة بن سراقة، وعوذ ومعوذ أبنا عفراء، وعمير بن الحمام، ورافع بن المعلى، ويزيد بن الحارث بن فسحم.
قتلى المشركين:
لقد قتل من المشركين في معركة بدر اثنان وخمسون رجلاً، قتل الإمام علي (عليه السلام) منهم مع الذين شرك في قتلهم أربعة وعشرين رجلاً.
وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقتلى، فطرحوا كلّهم في قليب بدر، وكأنّه فعل ذلك لئلا تتاذّى الناس بروائحهم، إلاّ أُمية بن خلف، كان قد انتفخ وتزايل لحمه فترك، والقوا عليه التراب والحجارة.
ثمّ وقف (صلى الله عليه وآله) على أهل القليب، فناداهم رجلاً رجلاً: (يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أُمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقاً، فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقاً، بئس القوم كنتم لنبيّكم، كذبتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس).
فقالوا: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد ماتوا؟ فقال: (لقد علموا إنّ ما وعدهم ربّهم حقّ) (16).
قال حسّان بن ثابت بهذه المناسبة:
يناديهم رسول الله لما ** قذفناهم كباكب في القليب
ألم تجدوا حديثي كان حقّاً ** وأمر الله يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا ** صدقت وكنت ذا رأي مصيب (17).
وهكذا حقَّقَ الله عزَّ وجلَّ النصر للمسلمين، واندحرت قريش، وتشتَّتَ جَيشُها، وفقدت هيبتها وسُمعتها، كما تحقّقت للمسلمين في هذه المعركة مكاسب مالية، وعسكرية، وعقائدية، وإعلامية، ساهمت في خدمة الإسلام، وتثبيت أركانه، وأوجدت منعطفاً كبيراً في مجمل الأحداث في الجزيرة العربية.
ــــــــــــــ
1ـ تفسير مجمع البيان 4/433.
2ـ شرح إحقاق الحق 6/91.
3ـ مناقب آل أبي طالب 2/80.
4ـ مدينة المعاجز 1/94.
5ـ الأمالي للشيخ الطوسي: 199.
6ـ الأنفال: 11ـ12.
7ـ تفسير مجمع البيان 4/437.
8ـ المصدر السابق 4/440.
9ـ تاريخ مدينة دمشق 42/71.
10ـ بحار الأنوار 16/127، الجامع الصغير 2/356.
11ـ الأنفال 67ـ69.
12ـ أعيان الشيعة 1/250.
13ـ صحيح ابن حبّان 11/118، موارد الظمآن 5/312.
14ـ شرح نهج البلاغة 14/182.
15ـ إعلام الورى بأعلام الهدى 1/169.
16ـ شرح نهج البلاغة 14/178.
17ـ البداية والنهاية 3/359.
بقلم : محمد أمين نجف
بعد أن استقرَّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة بدأ يخطط عسكرياً لضرب رأس المال الذي كانت قريش تعتمد عليه اعتماداً مباشراً في تجارتها .
ولتحقيق هذا الهدف خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه ثلاثمِائة وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه ، للسيطرة على القافلة التجارية التي كان يقودها أبو سفيان .
فعلم أبو سفيان بخطة المسلمين ، فغيَّر طريقه ، وأرسل إلى مكة يطلب النجدة من قريش .
فأقبلت بأحقادها وكبريائها بألف مقاتل ، وقرروا الهجوم على جيش النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه ، بالقرب من بئر ماء يدعى ( ماء بدر ) ، وهو يبعد ( 160 ) كيلو متراً عن المدينة المنورة .
فدفع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الراية إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير ، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر ، ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ إنْ تُهلِك هذه العِصابة لا تُعبد في الأرض ) .
فبرز الإمام علي ( عليه السلام ) إلى الوليد بن شيبة ، فضربه على يمينه فقطعها ، فأخذ الوليد يمينه بيساره ، فضرب بها هامة علي ( عليه السلام ) .
ويقول ( عليه السلام ) : ( ظنَنتُ أنَّ السماءَ وقَعَتْ على الأرض ) ، ثم ضربه الإمام ( عليه السلام ) ضربة أخرى فقتله .
وبرز له حنظلة بن أبي سفيان ، فضربه الإمام ( عليه السلام ) ، فسالت عيناه ولزم الأرض ، وأقبل العاص بن سعيد فلقيه الإمام علي ( عليه السلام ) فقتله .
وسأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَن لَهُ عِلم بِنَوفل بنَ خُوَيلد ) .
فأجابَ الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أنَا قَتلتُه ) .
فكبَّر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : ( الحَمدُ للهِ الذي أجَابَ دعوتي فِيه ) .
معركة احد
مكان المعركة أُحُد: جبل يبعد عن المدينة المنوّرة ميلين أو ثلاثة بجهة مكّة المكرّمة، حصلت فيه المعركة. تاريخ المعركة 15 شوال 3ﻫ، وقيل: 17 شوال 3ﻫ. الهدف من المعركة قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان سبب غزاة أُحد أنّ قريشاً لمّا رجعت من بدر إلى مكّة، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر؛ لأنّهم قُتل منهم سبعون، وأُسر سبعون، قال أبو سفيان: يا معشر قريش! لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم، فإنّ الدمعة إذا خرجت أذهبت بالحزن والعداوة لمحمّد، فلمّا غزوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم أُحد، أذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح، وخرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل، واخرجوا معهم النساء، فلمّا بلغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذلك جمع أصحابه وحثّهم على الجهاد...»(1). العُدّة والعدد خرجت قريش بثلاثة آلاف رجل يقودهم أبو سفيان بن حرب، معهم مائتا فرس قد جنبوها، وثلاثة آلاف بعير، وفيهم سبعمائة دارع، والظعن خمس عشرة امرأة، وخرجوا بعدّة وسلاح كثير. وخرج النبي(صلى الله عليه وآله) في ألف مقاتل من المسلمين، وفي الطريق انعزل عبد الله بن أُبي بن سلول ومن معه من أهل النفاق، وهم ثلثمائة رجل، فبقي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في سبعمائة مقاتل، فيهم مائة دارع ومعهم فرسان، فرس لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وفرس لأبي بردة بن نبار. الجيش الإسلامي عبّأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصحابه وسَوّى الصفوف، وعقد ثلاثة ألوية؛ لواء المهاجرين بيد أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير، ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر، وقيل بيد سعد بن عبادة. ثمّ وضع(صلى الله عليه وآله) خمسين رجلاً من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير خلف الجيش على حافة الجبل، وأوصاهم بالثبات وعدم ترك أماكنهم، وأكّد على ذلك، حتّى روي أنّه(صلى الله عليه وآله) أوصاهم بأن يلزموا مراكزهم ولا يتركوها حتّى في حالة النصر أو الهزيمة. بدء المعركة نشبت الحرب بين الجانبين، فصاح طلحة بن أبي طلحة العبدري، وهو صاحب لواء المشركين: يا محمّد، تزعمون أنّكم تجهزوننا بأسيافكم إلى النار، ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنّة، فمن شاء أن يلحق بجنّته فليبرز إليَّ؟ فبرز إليه الإمام علي(عليه السلام)، فبدره بضربة على رأسه فقتله، ثمّ تقدّم بلواء المشركين أخوه، والنساء خلفه يحرِّضن ويضرِبْن بالدفوف، فتقدّم نحوه حمزة ـ عمّ النبي(صلى الله عليه وآله) ـ وضربه ضربة واحدة وصلت إلى رئته فمات. وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «كان أصحاب اللواء يوم أُحد تسعة، قتلهم علي(عليه السلام) عن آخرهم»(2). قال الواقدي: «لقد قُتل أصحاب اللواء وانكشف المشركون منهم لا يلوون، ونساؤهم يدعين بالويل بعد ضرب الدفاف والفرح»(3). انهزام جيش العدو قال الواقدي: «ولمّا انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا، حتّى أخرجوهم من المعسكر، ووقعوا ينتهبونه ويأخذون ما فيه من الغنائم. فلمّا رآهم الرماة قال بعضهم لبعض: لمَ تقيمون ها هنا في غير شيء، قد هزم الله العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا معهم. فقال بعضهم: ألم تعلموا أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال لكم: "احمُوا ظُهُورَنا، وإنْ غَنِمْنا فلا تشرِكُونا"؟ فقال الآخرون: لم يرد رسول الله هذا»(4). هجوم خالد بن الوليد على الجيش الإسلامي ذهب الرماة الذين أوصاهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعدم ترك أماكنهم إلى معسكر المشركين يجمعون الغنائم، وتركوا أماكنهم على الجبل، ولمّا نظر خالد بن الوليد إلى خلوّ أماكنهم كرّ بالخيل إلى موضع الرماة، وحمل عليهم، فانهزم الناس وفرّوا. في قلب المعركة عندما وجد المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم، وكرُّوا على المسلمين من أمامهم وهم مشغولون بجمع الغنائم، فأصبح المسلمون وسط الحلقة، وانتقضت سيوفهم، وأخذ يضرب بعضهم بعضاً من العجلة والدهشة!! فتفرّق أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) عنه، وأخذ المشركون يحملون عليه يريدون قتله. وعن زيد بن وهب قال: «قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتّى لم يبق معه إلّا علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف؟ قال: انهزم الناس إلّا علي بن أبي طالب(عليه السلام) وحده، وثاب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) نفر، وكان أوّلهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل بن حنيف، ولحقهم طلحة بن عبيد الله. فقلت له: وأين كان أبو بكر وعمر؟ قال: كانا ممّن تنحّى، قال: وأين عثمان؟ قال: جاء بعد ثلاثة من الوقعة، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): "لقد ذهبت فيها عريضة"؟(5). وقال ابن الأثير: «وقاتل رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم أُحد قتالاً شديداً، فرمى بالنبل حتّى فني نبله، وانكسرت سية قوسه، وانقطع وتره»(6). قال أبو سعيد الخدري: «لمّا كان يوم أُحد شُجّ النبي(صلى الله عليه وآله) في وجهه، وكُسرت رباعيته، فقام(عليه السلام) رافعاً يديه يقول: "إنّ الله اشتدّ غضبه على اليهود أن قالوا: عُزير بن الله، واشتدّ غضبه على النصارى أن قالوا: المسيح بن الله، وإنّ الله اشتدّ غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي"»(7). منقبة للإمام علي(عليه السلام) عن أبي رافع قال: «لمّا كان يوم أُحد نظر النبي(صلى الله عليه وآله) إلى نفر من قريش، فقال لعلي: "احمل عليهم"، فحمل عليهم فقتل هاشم بن أُميّة المخزومي وفرّق جماعتهم فقتل فلاناً الجمحي، ثمّ نظر(صلى الله عليه وآله) إلى نفرٍ من قريش، فقال لعلي: "احمل"، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم وقتل فلاناً الجمحي، ثمّ نظر إلى نفر من قريش، فقال لعلي: "احمل عليهم"، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي، فقال له جبرائيل(عليه السلام): "إنّ هذه المواساة"، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): "إنّه منّي وأنا منه"، فقال له جبرائيل: "وأنا منكم يا رسول الله"»(8). شهادة حمزة(رضي الله عنه) كانت هند بنت عتبة ـ زوجة أبي سفيان ـ قد أعطت وحشياً عهداً لئن قتلت محمّداً أو علياً أو حمزة، لأعطينّك كذا وكذا. فقال وحشي: أمّا محمّد فلم أقدر عليه، وأمّا علي فرأيته حذراً كثير الالتفات فلا مطمع فيه، فكمنت لحمزة فرأيته يهدّ الناس بسيفه، ما يلقي أحداً يمرُّ به إلّا قتله، فهززت حربتي فرميتُه، فوقعت في أربيته ـ أصل الفخذ ـ، حتّى خرجت من بين رجليه فوقع، فأمهلته حتّى مات، وأخذت حربتي وانهزمت من المعسكر(9). وروي أنّ هند وقعت على القتلى، ولمّا وصلت إلى حمزة بقرت كبده فلاكته، فلم تستطع أن تسيغه فلفِظَته، ثمّ قطعت أنفه وأُذنيه، وجعلت ذلك كالسوار في يديها وقلائد في عنقها. وبعد انتهاء المعركة، أبصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عمّه حمزة وقد مُثّل به، فقال(صلى الله عليه وآله): «ما وقفت موقفاً قطّ أغيظ إليَّ من هذا الموقف»(10)، ثمّ وضعه إلى القبلة وصلّى عليه وبكى. وكان(صلى الله عليه وآله) يقول: «يا عمّ رسول الله، وأسد الله، وأسد رسول الله، يا حمزة، يا فاعل الخيرات، يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذابّ يا مانع عن وجه رسول الله»(11). قال ابن الأثير: «ومرّ(صلى الله عليه وآله) بدار من دور الأنصار فسمع البكاء والنوائح، فذرفت عيناه بالبكاء، وقال: "لكن حمزة لا بواكي له"، فرجع سعد بن معاذ إلى دار بني عبد الأشهل فأمر نساءهم أن يذهبن فيبكين على حمزة»(12). بعد المعركة بعد انصراف جيش المشركين بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام علي(عليه السلام) وقال له: «اُخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون، فإن كانوا قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل، فإنّهم يريدون مكّة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل، فهم يُريدون المدينة، فوالله لئن أرادوها لأسيرنّ إليهم فيها، ثمّ لأُناجزنّهم». فقال الإمام علي(عليه السلام): «فخرجتُ في آثارهم، فرأيتهم امتطوا الإبل واجتنبوا الخيل»(13). شهداء المسلمين لقد سقط سبعون شهيداً في المعركة، منهم: حمزة بن عبد المطّلب، عبد الله بن جحش، مصعب بن عمير، شماس بن عثمان، وهؤلاء الأربعة هم الشهداء من المهاجرين. وعمرو بن معاذ بن النعمان، الحارث بن أنس بن رافع، عمارة بن زياد بن السكن، سلمة بن ثابت بن وقش، عمرو بن ثابت بن وقش، ثابت بن وقش، حنظلة بن أبي عامر ـ وهو غسيل الملائكة ـ، عبد الله بن جبير بن النعمان ـ وهو أمير الرماة ـ، أوس بن ثابت بن المنذر أخو حسّان بن ثابت، أنس بن النضر ـ عمّ أنس بن مالك خادم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، سهل بن قيس بن أبي كعب. الرجوع إلى المدينة بعد أن عاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأصحابه إلى المدينة، استقبلته فاطمة الزهراء(عليها السلام) ومعها إناء فيه ماء، فغسل وجهه، ولحقه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وقد خضّب الدم يده إلى كتفه، ومعه سيفه ذو الفقار، فناوله فاطمة وقال(عليه السلام) لها: «خُذي هذا السيف، فقد صدّقني». وقال لها الرسول(صلى الله عليه وآله): «خُذيه يا فاطمة، فقد أدّى بَعلُك ما عليه، وقد قتل اللهُ بسيفه صناديد قُريش»(14). ــــــــــــــــــــــــ 1. تفسير مجمع البيان 2/376. 2. الإرشاد 1/88. 3. شرح نهج البلاغة 14/239. 4. أعيان الشيعة 1/257. 5. الإرشاد 1/83. 6. الكامل في التاريخ 2/157. 7. الأمالي للطوسي: 142. 8. تاريخ مدينة دمشق 42/76. 9. اُنظر: أعيان الشيعة 1/257. 10. شرح نهج البلاغة 15/16. 11. السيرة الحلبية 2/534. 12. الكامل في التاريخ 2/163. 13. أعيان الشيعة 1/258. 14. الإرشاد 1/90. بقلم : محمد أمين نجف
غـزوة الخنـدق
بعد تلك الغزوات المتتالية والانتصارات التي حققها المسلمون بقيادة النبي (ص) وبعد النكسات التي أصابتهم في أحد والرجيع والبعث المؤلف من أربعين أو سبعين رجلاً إلى نجد بناءا لطلب أحد زعمائها عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنة ظل المسلمون يعيشون في جو يسيطر عليه الخوف والحذر من حملة واسعة تشترك فيها قريش بعد ما منيت بما يشبه الهزيمة في بدر الموعد، تشترك فيها مع غطفان وهذيل والقبائل المتاخمة لحدود الشام، ويهود بني قينقاع والنضير الذين أجلاهم النبي (ص) عن المدينة وشردهم في الآفاق، وأصبحوا يتربصون به وأصحابه ويودون لو يتاح لم واو بأغلى الأثمان أن يدركوا ثأرهم منه.
أن محمداً الذي فر من مكة مع أتباعه، وأصبح في بضع سنين مرهوب الجانب يهدد الجزيرة بكاملها، ويمني قومه بأنهم سيحكمونها مع بلاد الفرس والرومان في المستقبل القريب وقريش تعرف كل ذلك وتهزها أخباره أكثر من جميع العرب واليهود، وهي التي وقفت في طريقه منذ أن أعلن دعوته وظلت تكافحه وتطارده طيلة ثلاثة عشر عاماً حتى هاجر لينجو من الموت الذي اختارته له.
وما عيها بعد أن أعياها إلا أن تمد يدها إلى الأعراب واليهود في مختلف أنحاء الجزيرة عساهم أن اتفقوا عليه وهاجموه في البلد الذي آواه ونصره، أن يدركوا ثأرهم منه ومن أتباعه في أيام معدودات. وتطوع اليهود في بادىء الأمر للقيام بتأليب الناس عليه وجمعهم لمهاجمته في المدينة في حين أن هذه الفكرة كانت ترواد قريشاً وغيرها من العرب ولكنها شكرت لهم هذه البادرة وباركت جهودهم في هذا السبيل بعد أن جمعتهم الغاية ووحدت بينهم الأهداف.
فقد جاء في كتب السيرة والتاريخ أنه في شهر شوال من السنة الخامسة لهجرة النبي (ص) اتفقت قريش وجماعة من الأعراب واليهود على غزو محمد في المدينة.
وكان من أمرهم أن جماعة من زعماء يهود بني النضير الذين أجلاهم النبي (ص) عن المدينة وصادر بعض ممتلكاتهم منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوائلي وجماعة غيرهم وفدوا على قريش في مكة وحرضوهم على حرب المسلمين ووعدهم بأن يكونوا معهم حتى يستأصلوا النبي (ص) وأصحابه، فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود أنكم أهل الكتاب الأول وتعلمون بما أصحبنا عليه نحن ومحمد، ونحن نسألكم أديننا خير أم دينه، فقالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق مه وبهذه المناسبة نزلت الآية.
{ألم ترى إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا*أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا}(النساء51_52)
ولما سمعت قريش من اليهود ذلك استبشرت وطمعت بهذا التكتل الجديد أن يحقق لها النصر النهائي على محمد وأتباعه وتواعدهم وإياهم على حربه عندما يتيسر لهم من العرب من يناصرهم عليه.
ولم يكتف اليهود بتفضيل الوثنية على التوحيد الذي يدعو إليه محمد وجميع الأديان السماوية بما في ذلك اليهودية، لم يكتفوا بذلك بل ذهبوا يتجولون بين الأعراب ويحرضون على حرب محمد ويخوفوهم منه ومن أتباعه إن استتب لهم الأمر،وذكروا لهم ما دار بينهم وبين قريش، وما تم عليه الإتفاق من غزو المدينة بأكبر عدد ممكن لا يمكن للمسلمين أن يواجهوه مهما بلغوا من القوة والبأس، وتيسر لهؤلاء أن يستنفروا أكبر عدد من الأعراب لمساندتهم وفي الموعد المعين لخروجهم خرجت قريش بقيادة أبي سفيان في أربعة آلاف مقاتل، بينهم ثلاثة آلاف فارس، وعقدوا لواءهم في دار الندوة وأعطوه إلى عثمان بن طلحة وقادوا معهم ألفاً وخمسمائة بعير، وخرج من بني سليم سبعمائة بقيادة سفيان بن شمس حليف حرب بن أمية وخرج معهم بنو أسد وفزارة في ألف مقاتل بقيادة عيينة بن حصن، وخرج معهم من أشجع وبني مرة بن عوف وغيرهم عدد كبير حتى بلغ مجموعهم أكثر من عشرة آلاف مقاتل.
وبلغ خبرهم رسول الله (ص) عن طريق جماعة من خزاعة وفدوا عليه وأخبروه بالتجمع الذي أعدته قريش وأحلافها من العرب واليهود لغزوه، فجمع النبي (ص) جماعة من أصحابه وأخبرهم بما اجتمعت عليه قريش وأحلافها وحثهم على الجهاد والاستعداد لمقابلة الغزاة واستشارهم فيما يجب أن يتخذه لمنعهم من دخول المدينة، فأشار عليه سلمان الفارسي بأن يحفر خندقاً من الجهة التي يمكن للمشركين أن يدخلوا منها، وقال له: يا رسول الله (ص) كنا بفارس إذا حوصرنا حفرنا خندقاً يحول بيننا وبين عدونا، فاستحسن النبي (ص) وأصحابه هذا الرأي وأمر بحفره، وبهذه المناسبة اجتمع المهاجرون والأنصار بسلمان الفارسي وكل يقول: سلمان منا، فقال النبي (ص): سلمان منا أهل البيت كما جاء في تاريخ الطبري.
ثم أن النبي (ص) حدد لكل عشرة من المسلمين أن يحفروا لأربعين ذراعاً، وكان هو كأحدهم يحفر بيده ويجهد نفسه بالعمل وواصل المسلمون عملهم بإخلاص ونشاط إذا استثنينا جماعة ممن تظاهروا بالإسلام وأبطنوا الغدر والنفاق كانوا يتسللون إلى بيوتهم ومنهم من يأتي إلى النبي (ص) يطلب الإذن وتذرع بأسباب لا تمت إلى الواقع بصلة ويدعون بأن بيوتهم مكشوفة إلى الغزاة ومعرضة للإحتلال.
{يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعروة إن يريدون إلا فراراً}
ومضى المخلصون يعملون ليلاً ونهاراً لا يتركون العمل إلا لأسباب قارهة، ثم يعودون إلى عملهم، وبهذه المناسبة أنزل الله على النبي (ص) الآيات التالية:
{إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله* فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فائذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم* لا تجلعوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً ليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
وجاء في كتب السيرة أنه بينما كان سلمان مع تسعة يحفرون في المساحة التي يحددها الرسول لهم، وإذا بصخرة بيضاء قد اعترضهم وهم يحفرون فأعجزهم ولم تصنع بها المعاول شيئاً، فقالوا لسلمان اذهب إلى رسول الله (ص) فأعجزهم بذلك فلعله يأمرنا بالعدول عنها، فإنا لا نريد أن نتخطى أمره.
ولما أخبره بذلك أقبل عليهم وهبط بنفسه إلى الخندق وأخذ المعول من سلمان وضرب الصخرة ضربة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة حتى لكأنها مصباح في بيت مظلم على حد تعبير الرواي فكبر رسول الله (ص)، ثم ضربها ضربة ثانية فتصدعت وخرج منها نفس البريق الأول وفي الضربة الثالثة تكسرت وظهر لها بريق أضاء ما وراء المدينة، فكبر رسول الله (ص) وأشرقت نفسه الكبيرة للنصر المؤمل في النهاية، ثم أخذ بيده سلمان وصعد من الخندق، فقال له بأبي وأمي أنت يا رسول الله (ص) لقد رأيت شيئاً ما رأيته قط، فالتفت رسول الله (ص) إلى القوم وقال: هل رأيتم ما يقول سلمان؟ فقالوا نعم يا رسول الله (ص) (ص) بأبينا أنت وأمنا لقد رأيناك تضرب فيخرج البريق كالموج فرأيناك تكبر فكبرنا وأم نر غير ذلك، قال صدقتم لقد أضاءت لي في البرقة الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى وأخبرني جبرائيل بأن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثانية فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم، واخبرني جبرائيل بأن أمتي ظاهرة عليها، وفي الضربة الثالثة أضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبرائيل بأن أمتي ظاهرة عليها فاستبشر المسلمون بذلك.
وقال المنفقون حينما سمعوا بذلك ألا تعجبون من محمد يحدثكم ويمنيكم ويخبركم بأنه يبصر من يثرب قصور الحيرة وصنعاء ومدائن كسرى وأنتم تحفرون خندقاً ليحول بينكم وبين أعدائكم واحدنا اليوم لا يأمن أن يذهب لقضاء حاجته فنزلت الآية:
ولقد بححت من النداء
بجمعكم هل من مبارز
إني كذلك لم أزل
متسرعاً نحو الهزاهز
أن الشجاعة في الفتى
والجود من خير الغرائز
والنبي يلتفت يمنة ويسرة ويدعو المسلمين إلى مبارزته فلم يستجب له أحد، فقام علي (ع) إلى النبي (ص) وقال أنا له يا رسول الله (ص) والنبي ويقول له اجلس إنه عمرو، فقال علي وإن كان، فأذن له وأعطاه سيفه الفقار وألبسه درعه وعممه بعمامته وقال كما جاء في بعض المرويات: اللهم إنك قد تذرني فرداً وأنت خير الوارثين فبرز إليه علي وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز
ذونية وبصيرة والصدق منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى صيتها بعد الهزاهز
وقال النبي (ص) لما برز له علي (ع) برز الإيمان كله إلى الشرك كه كما جاء في شرح النهج المجلد الرابع ص344.
ولما تقابلا قال له عمرو من أنت، قال أنا علي بن أبي طالب، فقال ليبرز إلي غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أشد منك، فإني أكره أن أقتلك لأن أباك كان صديقاً ونديماً لي في الجاهلية.
وجاء في شرح النهج أن شيخنا أبا الخير مصدق بن شبيب النحوي كان يقول إذا أمرونا في القراءة عليه إلى هذا الموضع: والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه كما يدعي، بل خوفاً منه، فلقد عرف قتلاه في بدر وأحد وعلم إنه إن ناهضه قتله فاستحيا أن يظهر الفشل فأظهر الإبقاء والإرعاء وإنه لكاذب فيهما.
وأضاف المؤلفون في السيرة أن علياً قال له لكني أن أقتلك، فقال يا ابن أخي إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك فارجع وراءك خير لك، فقال له علي (ع) أن قريشاً تتحدث عنك إنك تقول: لا يدعوني أحد إلى خلتين إلا أخذت واحدة منهما، وفي رواية ثانية إلى ثلاث إلا أجبت لو إلى واحدة منها قال أجل، فقال له علي: فإني أدعوك إلى البراز فقال إني لا أحب إن أقتلك فقال له علي ولكني أحب أن أقتلك فأخذه الحماس عندئذ واقتحم عن فرسه وعقره، ثم أقبل على علي (ع) فتنازلا وتجاولا فضربه عمرو بسيفه فاتقاه علي بدرقته فأثبت فيها السيف وأصاب رأسه كما جاء في بعض المرويات، فضربه علي على حبل عاتقه فسقط يخور بدمه.
وجاء في بعض المؤلفات في السيرة عن جابر بن عبدالله الأنصاري إنه قال: كنت قد تبعت علياً لأنظر ما يكون من أمره، ولما ضربه علي ثارت غبرة شديدة حالت بيني وبينهما غير إني سمعت تكبيراً فكبر المسلمون عند ذلك، فعلمنا أن علياً قد قتله، وأنجلت الغبرة عنهما فإذا علي على صدره يحز رأسه وفر أصحابه ليعبروا الخندق فرماه المسلمون بالحجارة، فقال يا معشر المسلمين قتلة أكرم من هذه: فنزل إليه علي فقتله.
وجاء في سيرة ابن هشام عن الزهري إنه كان مع عمرو بن ود إبنه مسحل بن عمرو بن ود فقتله علي (ع)، ولحق علي بهبيرة بن أبي وهب وكان علي راجلاً وهبيرة فارساً فضربه بالسيف فأصاب قربوس سرجه فسقطت درعه وانهزم عكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب، وأصيب منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بسهم فمات منه بمكة كماء جاء في رواية الطبري.
وفي سيرة ابن اسحاق أن المشركين بعثوا إلى رسول الله (ص) يعرضون عليه عشرة آلاف درهم في مقابل جثة عمرو بن ود فقال لهم لا حاجة لنا بها وإنا لا نأخذ ثمن الموتى، وقيل إن العرض كان في مقابل جثة نوفل بن عبدالله بن المغيرة.
وفي الإرشاد وغيره عن محمد بن اسحاق إنه قال: لما قتل علي (ع) عمرو بن ود وأقبل نحو رسول الله (ص) ووجهه يتهلل، فقال له عمر بن الخطاب: هلا سلبته درعه فإنه ليس في العرب درع مثلها، فقال إني استحييت إن كشف سوءته.
وفي شرح النهج إن مبارزة علي لعمرو بن ود يوم الخندق أعظم من أن يقال عنها عظيمة وأجل من أن يقال عنها جليلة وما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهديل وقد سأله سائل أيما أعظم منزلة عند الله علي أم أبو بكر، فقال يا ابن أخي: والله لمبارزة علي عمراً يوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها وتربي عليها فضلاً عن أبي بكر وحده.
وفي المجلد الاني من فضائل الخمسة من الصحاح الستة عن المجلد الثاني من مستدرك الصحيحين عن سيفان الثوري بسنده عن النبي (ص) إنه قال: لمبارزة علي ابن أبي طالب لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل أعمال أمتي إلى يوم القيامة ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ص13ص19.
وذكر هذا الحديث بنصه الحرفي الرازي ي تفسيره الكبير في الجزء الأخير خلال حديثه عن ليلة القدر وفضلها.
وجاء في الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال}، وجال فيه عن ابن أبي حاتم وإبن مردويه وإبن عساكر إن الله كفى المؤمنين القتال بعلي (ع).
وجاء في شرح النهج عن قيس بن الربيع بسنده إلى ربيعة بن مالك السعدي إنه قال: أتيت حذيفة بن اليمان فقلت يا عبدالله إن الناس يتحدثون عن علي ابن أبي طالب ومناقبه، فيقول لهم أهل البصرة أنكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل، فهل أنت محدثي بحديث عنه أذكره للناس فقال ربيعة وما الذي تسألني عن علي، وما الذي أحدثك عنه، والذي نفس حذيفة بيده لو وضعت جميع أعمال أمة محمد في كفة الميزان منذ بعث الله محمداً إلى يوم الناس هذا ووضع عمل واحد ممن أعمال علي في الكفة الأخرى لرجح على أعمالهم كلها.
قال ربيعة هذا المدح الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل وأين كان المسلمون يوم الخندق وقد عبر إليهم عمرو وأصحابه فملكهم الهلع والجزع ودعاهم إلى المبارزة فأحجموا عنه حتى برز إليه علي فقتله، والذي نفس حذيفة بيده لعلمه ذلك اليوم أعظم أجراً من أعمال أمة محمد إلى هذا اليوم، وإلى أن تقوم الساعة.
وفي رواية ثانية أنه قال يا لكع وكيف لا يحمل هذا المدح، وأين كان فلان وفلان وحذيفة وجميع أصحاب محمد (ص).
ولما نعي إلى أخته عمرة قالت من قتله، من الذي تجرأ عليه، قيل لها علي بن أبي طالب قالت لقد قتل الأبطال وبارز الأقران وكانت ميتته على يد كفء من قومه ثم أنشأت تقول:
لو كان عمرو غير قاتله
لكنت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يعاب به
قد كان يدعى أبوه بيضة البلد
من هاشم في ذراها وهي صاعدة
إلى السماء تميت الناس بالحسد
قوم أبى الله إلا أن يكون لهم
كرامة الدين والدنيا بلا لدد
يا أم كثلوم أبكيه ولا تدعي
بكاء معولة حرى على ولد
وع هذه الضربة القاسية التي لم تكن قريش وأحلافها تنتظرها فقد بقي الغزاة على مواقفهم، وتأزمت الأمور على المسلمين بعد أن نقض بنو قريظة العهد وانحازوا إلى جانب المشركين، وخاف المسلمون أن يهاجموهم من حصونهم، وقد بدأوا يتسللون إلى المرتفعات التي فيها النساء.
فقد حدث يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه أنه قال: كانت صفية بنت عبدالمطلب في فارع حصن حسان بن ثابت وكان حسان مع النساء والأطفال، وقالت صفية فمر بنا رجل من اليهود وجعل يطوف بالحصن وقريظة قد قطعت ما بينها وبين رسول الله (ص) من العهد وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله والمسلمون في مقابل عدوهم، والعدو كاد أن يحيط بالمدينة من جميع جهاتها لا سيما بعد أنضم بنو قريظة إليهم وهم أعرف بالثغرات التي تمكنهم من التغلغل في شوارع المدينة وتنفذ بهم إلى مسجد الرسول وبيته، وأدركت صفية أن اليهودي ربما يكون عيناً لقومه بني قريظة ليجد منفذاً إلى حصون النساء يدلهم عليه النبي (ص) ومن معه في شغل عنهم بتلك الحشود الهائلة التي تصول وتجول لتجد منفذاً للهجوم الشامل.
لقد أدركت صفية خطر هذا اليهودي الذي تلصص حول حصون النساء فقالت: يا حسان أن هذا اليهودي كما ترى يطوف حول حصوننا وإني والله آمنه أن يدل على عوراتنا من وراءنا ورسول الله في شغل عنا بمن أحاط به من المشركين، فأنزل إليه وأقتله، فقال يغفر الله لك يا ابنة عبدالمطلب، والله إنك لتعلمين إني لست بصاحب هذا الأمر، قال صفية فلما سمعت منه ذلك ويئست من خيره شددت وسطي بثوب كان علي وأخذت عموداً ونزلت إليه من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، وقلت له يا حسان انزل إليه فأسلبه، فإنه لا يمنعني من سلبه إلا رجل، فقال ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبدالمطلب.
وظل الحصار مضروباً على المدينة وفي كثي من المرويات أن بعض كتائب المشركين تسللت من جهة بني قريظة إلى داخل المدينة فدافعهم المسملون فيها وثبت المؤمنون الصادقون يحدوهم الأمل بنصر الله سبحانه كما وعدهم الرسول وأنزل الله فيهم قوله:
{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا أيماناً وتسليماً}(الأحزاب22).
وأما المنافقون وضعاف الإيمان من المهاجرين والأنصار فقد استغلوا تلك الأزمة للتضليل والتشكيك وجعلوا يتندرون بما كان النبي (ص) قد وعدهم به من دخول مكة فاتحين واحتلال قصور كسرى وقيصر فأنزل الله فيهم قوله:
{وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً}.
وظل النبي (ص) يفكر ويعمل للخلاص من تلك الأزمة التي لم يعرف لها المسلمون نظيراً من قبل، ولكنه لم يفكر في الإشتباك الشامل مع المشركين ولا وضعه في حسابه إلا إذا اضطروه إليه، لأن الحشود التي تجمعت وتكالبت قد أثرت إلى حد ما على معنويات المسلمين وأصبح من الصعب أن يثبتوا لهم، لا سيما وأن يهود بن قريظة قد انظموا إلى الغزاة وأصبحوا يهددون المدينة من الداخل، ففكر أولاً أن يصانع غطفان ومن معها بشيء من ثمار المدينة كما ذكرنا، ووجد من غطفان استعداداً لذلك، ولكنه لم يكن ليعقد اتفاقاً من هذا النوع، مع ما له من الفوائد بدون موافقة أصحاب تلك الثمار، لأن ثمار المدينة لأهلها، وما كان ليستبد عليهم في أموالهم، وبعد أن عرض الفكرة على زعيمي الأوس والخزرج لم يجد منهما استجابة لطلبة كما ذكرنا من قبل.
وفيما هو يفكر في عمل يخفف من حدة الموقف ويؤدي إلى تشتيت القوم وبعث الخلاف بينهم، وإذا بنعيم بن مسعود بن عامر ينسل من بين المهاجمين ويأتي النبي (ص) ليقول له أني أسلمن وآمنت برسالتك يا رسول الله (ص)، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فوجد رسول الله (ص) أن يوجهه ليبث روح التفرقة بين القوم، ما داموا يحترمون رأيه ويعتقدون بإنه منهم، فقال له: إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة.
فخرج نعيم بن مسعود حتى انتهى إلى بني قريظة وكان لهم نديماً من قبل، فقال لهم: يا بني قريظة لقد عرفتم ودي لكم وصلتي بكم، فقالوا قل ما تريد فلست عندنا بمتهم، فقال لهم أن قريشاً و غطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم وفيه أموالكم وأولاكم ونساؤكم ومن الصعب عليكم أن تتحولوا لغيره، أما قريش و غطفان فقد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه فذاك ما يريدون، وإن عجزوا رجعوا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبينه، ولا طاقة لكم به أن خلا بكم، وأرى لكم أن لا تقاتلوا مع القوم إلا أن تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونوا بأيديكم وعندها يضطرون أن لا يتخلوا عنكم ويرجعوا إلى بلادهم.
واقتنعت قريظة بهذا الرأي وقالوا له لقد أرت بالصواب، ثم خرج وأتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً، وقد بلغني أمر رأيت علي حقاً أن أبلغكموه فاكتموه علي، فقالوا لك ذلك، قال بلغني أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه بذلك وعرضوا عليه أن يأخذوا رجالاً منكم ومن غطفان ويسلموه إياهم وليضرب أعناقهم ثم ينحازوا معه حتى يستأصلوكم، فأجابهم هو لذلك، فإن بعث إليكم اليهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تسلموا لهم أحداً.
وخرج إلى غطفان وقال: يا معشر غطفان أنتم وأهلي وعشيرتي واجب الناي إلي، ولا أراكم تتهمونني في شيء، فقالوا أنت لست بمتهم عندنا، ثم قال لهم ما قاله لقريش وحذرهم من اليهود وغدرهم بهم، واستطاع أن يشحن جو قريش وغطفان بالشك والريب في يهود بن قريظة.
وجاء في كتب السيرة أنه لما كانت ليلة السبت من شوال أرسل أبو سفيان رؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن ابي جهل ومعه جماعة من قريش وغطفان فقالوا لهم أنا لسنا بدار مقام، وقد هلك الخف والحافر فاستعدوا للقتال حتى نناجز محمداً ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم أن اليوم السبت ونحن لا نعمل فيه شيئاً، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً يكون بأيدينا لنطمئن بأنكم ستقاتلونه إلى النهاية فأنا نخشى أن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تسرعوا إلى بلادكم وتتركونا وإياه وهو في بلدنا ولا طاقة لنا به وحدنا.
فرجع عكرمة ومن معه إلى قريش غطفان وأخبروهما بمقالة القوم، فقالوا عند ذلك صدق نعيم بما حدثنا بهن فأرسوا إليهم أنا لا ندفع لكم رجلاً واحداً من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فأخرجوا لنقاتله غداً واصر كلمن الطرفين على موقفه ورفض اليهود أن يتعاونوا معهم إلا إذا دفعوا لهم الرهائن.
وصمم أبو سفيان ومن معه من غطفان على أن يناجزوا محمداً في صبيحة يومهم التالي بعد أن يئسوا من بني قريظة، وكانت قبلها تحصل مناوشات بين الطرفين بالنبال والسهام، فلما كان الليل عصفت ريح شديدة هو جاء مصحوبة بأمطار وصواعق لا عهد لأحد منهم بها وظلت العواصف والأمطار تشتد حتى اقتلعت خيامهم وكفأت قدروهم وداخلهم من الرعب والخوف ما لم يعهدوه في تاريخهم الطويل، وخيل إليهم أن المسلمين سينتهزون هذه الفرصة للوثبة عليهم والتنكيل بهم.
فقام طلحة بن خويلد ونادى أن محمداً قد بدأكم بالشر فالنجاة النجاة، وقال أبو سفيان: يا معشر قريش أنكم والله ما اجتمعتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم ما نكره وقد ولقينا من شدة الريح ما ترون فارتحلوا فإني راحل الساعة فأسرع القوم والعواصف تبعث بخيامهم أمتعتهم واستخلفوا ما أمكنهم حمله في تلك الحالة من استولى عليهم الخوف والرعب ولم يعد طمع بالنجاة بأنفسهم تاركين الكثير من أمتعتهم حيث كانوا.
وجاء في كتب التاريخ والسيرة عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله (ص) قد دعا عليهم وسأل الله سبحانه أن يكشف عنه ما أحاط به من بلاء ويصرف عنه شرهم، ولما أحس أن القوم يتحركون مذروعين ألتفت إلى المسلمين وقال من منكم يذهب إليهم وينظر لنا ما فعلوا وأنا أضمن له أن يكون رفيقي في الجنة، فلم يقم أحد، فدعاني رسول الله (ص) لذلك، فلم أجد أبداً من تنفيذ أمره، فقمت وذهبت إلى القوم ودخلت بينهم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل وهم يستعدون للإنصراف فما زلت بينهم حتى انصرفوا فرجعت وأخبرت رسول الله (ص) بحالهم فحمد الله سبحانه وإلى ذلك تشير الآية:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا} (الأحزاب9).
رجع النبي (ص) ومعه أصحابه إلى المدينة بعد أن وقفوا في وجه الغزاة أكثر من عشرين يوماً ليلاً ونهاراً قد أعياهم الجوع والسهر والخوف من تسلط العدو عن نسائهم وذرايتهم تمنوا أن يخلدوا إلى الراحة ولو أياماً قليلة بعد تلك الغزوة الطويلة التي لم يسبق للمسلمين وحتى ليثرب في تاريخها الطويل أن عانت ما عانته في تلك الأيام من الخوف والقلق والجوع كما ذكرنا، وقد أوجز الله سبحانه حالتهم بالآية التالية:
{إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم و إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون*هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً} (الأحزاب 10-11).
لقد تمنى المسلمون بعد تلك الجهود المضنية لو يتاح لهم أن يخلدوا إلى الراحة ولو بضعة أيام، ولكن أنى لهم الراحة والاطمئنان على مصيرهم واليهود الذين أغروا قريشاً وغطفان وغيرهما من الأعراب بالوقوف إلى جانبهم في ذلك الغزو الذي كاد أن يقضي على المسلمين لولا العناية الإلهية التي وفرت للمشركين أسباب الهزيمة وبدت طلائعها ابتداء من قتل علي (ع) لعمر بن ود العامري ونوفل بن عبدالله وفرار من معهما من الأبطال الذين استطاعوا عبور الخندق، والتدابير الحكيمة التي اتخذها النبي (ص) بواسطة نعيم بن مسعود لتشتيت أمرهم وتمزيق وحدتهم، وانتهاء بتلك العواصف والصواعق والأمطار التي سدت عليهم جميع المنافذ ولم تترك لهم مجالاً للاستقرار والبقاء ولا أملاً بالسلامة، وامتلأت قلوبهم من الخوف والرعب.
هؤلاء الذين ساهموا في حشد تلك الألوف وانضموا إليهم متجاهلين معاداتهم للنبي وعهودهم التي قطعوها على أنفسهم بالوفاء لجميع بنوها، هؤلاء لا يزالون إلى جانبهم في المدينة ونفوسهم لا تنطوي على غير المكر والغدر واخداع وسيمثلون بالغد القريب نفس الدور الذي الدور مثلوه بالأمس مع قريش وأحلافها من الأعراب في غير ذلك الفصل الذي حدثت في تلك الأحداث التي روعت المشركين وزعزت جميع آمالهم وأهدافهم.
ولو أفترضنا أن النبي (ص) جدد لبعهد معهم في تلك الفترة، فما الذي يمنعهم من نقضه والخروج عليه مرة ثانية كما فعلوا بالأمس، في حين أنهم لم يجدوا منه إلا الصدق والوفاء كما أعترف بذلك زعيمهم حينما دعاه حبي بن خطب للاشتراك مع الغزاة كما ذكرنا.
لقد التزم النبي (ص) بجميع بنود الاتفاق مع بني قريظة كما التزم بها مع بني النضير وبني قينقاع وظل وفياً كريماً يحوطها ويرعاها بما انطوت عليه نفسه الكريمة من النبل والكرم والوفاء، ومع كل ذلك فقد كانوا أداة سوء وشر لم يذق هو أصحابه طعم الراحة إلا بعد أن أخرجهم منها، وها هم بنو قريظة يمثلون نفس الدور الذي مثله بنو قينقاع والنضير وأسوأ منه.
غزوة بني المصطلق
مجمل القول في غزوة المصطلق كما جاء في كتب السيرة المطهرة هي:
أن الحارث بن أبي ضرار دعا قومه خزاعة ومن في جوارحهم من الأعراب إلى غزو المدينة، ولما بلغ خبرهم رسول الله بعث بريدة بن الحصيب ليكشف له خبرهم فاستأذنه بريدة أن يقول ما يشاء لإنجاح مهمته فأذن له النبي (ص) ومضى بريدة إليهم: فقال الرجل منكم قدمت عليكم بعد ما بلغني أنكم تعدون العدة وتتأهبون لغزو هذا الرجل يعني بذلك النبي، فإذا صح الخبر فأنا معكم بمن أطاعني من قومي لنكون يداً واحدة عليه ولعلنا نستأصلهم.
فرحب الحارث به وطلب إليه التعجيل بمن معه من قومه، فرجع إلى رسول الله (ص) وأخبرهم بحالهم فندب رسول الله (ص) الناس إليهم لليلتين خلتا من شعبان كما جاء في كتب السيرة فأجابوه إلى ذلك وخرج معه في هذه الغزوة جماعة من المنافقين طمعاً في الغنائم وخرج رسول الله (ص) بمن معه حتى بلغ ماء يقال له المريسيع وكانوا قد تجمعوا عليه وأعطى راية المهاجرين في هذه الغزوة لعمار بن ياسر، وراية الأنصار لسعد بن عبادة وأصاب عيناً للمشركين كان قد وجهه الحارث ليأتيه بخبر رسول الله (ص) فعرض عليه النبي (ص) أن يسلم فأبى عليه فأمر بقتله، وزحف كل من الفريقين للآخر واحتدم القتال بينهما فقتل منهم عشرة ووقع الباقون في أيدي المسلمين أسارى، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد قتله بعض المسلمين خطأ.
وجاء في سيرة ابن هشام أن علياً (ع) قتل رجلين من بني المصطلق وأسرهم النبي (ص) مع نسائهم واستولى على مواشيهم وأموالهم، وكانت الإبل ألفي بعير والغنم خمسة آلاف شاة وأٍر مائتي عائلة ومن بينهم جويرية بنت الحارث، وحينما قسم رسول الله (ص) الغنائم وقعت في سهم ثابت بن قيس ابن الشماس، وكانت عزيزة في قومها.
ويدعي اين هشام في سيرته وابن كثير في تاريخه وغيرهما أنها كاتبته في فداء نفسها فأتت رسول الله (ص) تستعين به في فدائها، وحدث جماعة عن عائشة أنها قالت لقد رأيت جويرية على باب حجرتي فكرهتها وعرفت بأنه سيرى منها رسول الله (ص) ما رأيت من جمالها فدخلت عليه وقالت له: يا رسول الله (ص) أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس وقد جئتك أستعينك على كتابتي فقال لها أفهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله (ص)؟ قال: أقضي عنك كتابتك وأتزوجك فرحبت بذلك، وتم زواجه منها بعد أن أعتقها كما جاء في بعض المرويات.
ولما بلغ المسلمين حديث زواجها من رسول الله (ص) أرسوا من كان بأيديهم من الأسرى، وهم أكثر من مائة أهل البيت كانوا لا يزالون في أيدي المسلمين بدون فداء على حد تعبير الرواة، وعقب على ذلك اين هشام بأنه لا يعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها إلا أنها كانت السبب في اسلامهم وخلاصهم من الأسر.
وقيل أن أباها جاء إلى النبي (ص) يطلبها منه فردها عليه ثم تزوج منها وقيل غير ذلك.
وقد أدرك المسلمون في هذه الغزوة نصراً مظفراً بدون أن يكلفهم سوى قتيل واحد قتله أحد المسلمين خطأ كما ذكرنا، ولم يحدث فيها ما يعكر صفو المسلمين سوى ما جاء في كتب السيرة من أن خادماً لعمر بن الخطاب كان يستقي من ماء المريسيع ازدحم على الماء مع مولى لبني عوف من الأنصار وكادا أن يقتتلا، فاجتمع الطرفان وكاد الشر أن يقع بينهما.
واستغل هذه الحادثة عبدالله بن أبي وكان في جماعة المنافقين، وفيهم زيد بن الأرقم، وهو غلام حدث، فقال ابن أبي لقد كاثرونا في بلادنا، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن منها الأعز منها الأذل، وأقبل على قومه يحثهم ويحرضهم على التنكر للرسول وأصحابه، فذهب زيد بن الأرقم وأخبر الرسول بما سمع من عبدالله بن أبي وعنده عمر بن الخطاب، فدعا إلى قتل عبدالله بن أبي فأنكر عليه النبي (ص) ذلك وقال له يا عمر أتريد أن يتحدث الناس بأن محمداً قتل أصحابه، ثم أمر بالرحيل في ساعة لم يكن ليرحل بها لولا تلك الحادثة، ومشى بالناس طوال الليل وشطراً من اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس فنزلوا وقد أنهكهم السير، فلما استراحوا تابع مسيرته إلى المدينة ونزلت سورة المنافقين كما جاء في تاريخ ابن خلدون.
ولما سمع عبدالله بن أبي بمقالة أبيه تبرأ منه وجاء إلى النبي (ص) وقال يا رسول الله (ص) أنت والله الأعز وهو الأذل: وإن شئت أخرجته من المدينة، ثم اعترض أباه قبل دخولها وقال له: والله لا يدخلها حتى يأذن لك رسول الله (ص) فأذن له النبي (ص) ودخلها مع الناس ثم قال ولده عبدالله: بلغني يا رسول الله (ص) أنك تريد قتل أبي وإني أخشى أن تأمر أحداً بقتله فتدعوني نفسي إلى الثأر منه: وإن قتلت قاتله أكون قد قتلت مسلماً بكافر، ولكن مرني بذلك فأنا والله مستعد لأن آتيك برأسه فجزاه رسول الله (ص) خيراً وقال له: لا يصل إلى أبيك سوء أبداً ولنحسنن صحبته ما دام أظهرنا.
وجاء في المرويات أن جماعة قالوا لعبدالله بن أبي: اذهب إلى رسول الله (ص) ليستغفر لك فلوى رأسه ترفعاً واستخفافاً بذلك القول ونزلت الآيات من سورة المنافقين بهذه المناسبة: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون*سواء عليهم استغفرت لهم أو لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}(المنافقون5).
ويدعي المؤلفون في سيرة النبي (ص) أن النبي (ص) بعد أن أسر بني المصطلق وتزوج جويرية ابنة زعيمهم وترك المسلمون ما بأيديهم من الأسرى تكريماً لها أسلم زعيمهم الحارث وأخذ الإسلام ينتشر بينهم، وبعد عامين من اسلامهم كما جاء في تاريخ ابن خلدون بعث النبي (ص) الوليد ين عقبة بن أبي معيط ليجبي صدقاتهم فخرجوا يتلقونه فخافهم على نفسه فرجع إلى رسول الله (ص) وأخبره أن القوم قد هموا بقتله وامتنعوا على إعطائه الصدقات فأكثر المسلمون الحديث عنهم وأشاروا على النبي (ص) بغزوهم ثانية، وظلوا يلحون على رسول الله (ص) حتى هم بذلك، وفيما هم في الحديث عن غزوهم وإذا بوفد منهم أقبل على المدينة ليبين للنبي حقيقة ما جرى، وحلفوا له بأنهم لا يزالون على اسلامهم وقد خرجوا لاستقباله لا لقتله كما يدعي الوليد بن عقبة.
ونزلت الآية من سورة الحجرات لتؤكد للنبي صدقهم وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين*واعموا أن فيكم رسول الله لو يعطيكم في كثير من الأمر لعنتم}(الحجرات6).
وفي مجمع البيان المجلد الخامس بعد أن نقل القول الأول في نزول الآية قال وقيل أنها نزلت فيمن لرسول الله أم مارية أم إبراهيم يأتيها ابن عم لها قبطي، فدعا رسول الله (ص) علياً وقال له: يا أخي خذ هذا السيف فإن وجدته عندها فاقتله فقال علي (ع) يا رسول الله (ص) أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة أمضي لما أمرتني به أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فقال بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
قال علي (ع) فأقبلت متوحشاً بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما عرف أني أريده صعد إلى نخلة ثم رمى بنفسه وشفر برجليه فإذا هو واجب أمسح ما له مما للرجال قليل أو كثير، فرجعت وأخبرت النبي (ص) بذلك، فقال الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت ونزلت الآية